الإمام النسائي ومنهجه في سننه

د. عبدالمنان عبد اللطيف المدني السير و التراجم

اسمه ونسبه:
هو الإمام الحافظ البارع الناقد أبوعبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحربن دينار الخراساني النسائي.
منسوب إلي «نسا» كانت بلدة بخراسان.
و«النسأ» بفتح النون والسين وبعدها همزة مقصورة، وقيل: بالمد بعدها همزة، ويمكن الجمع باحتمال استعمالهم بكلا الوجهين.
وذكر السمعاني في سبب تسميتها أن المسلمين الفاتحين لما وردوا هذه القرية، غاب رجالها عنها وهربوا فحاربت النساء الغزاة؛ فلما عرفت العرب ذلك كفوا عن الحرب قائلين: إن النساء لايحاربن، وقالوا: وضعنا هذه القرية في النسا يعنون التأخير،حتي يعود وقت عود رجالهن، ومضوا فسميت «نسأ».
وكانت هذه البلدة من أحسن البلاد حتى قيل : «من دخل نسا نسي الوطن».

ولادته :
ولد هذا الإمام سنة أربع عشرة أوخمس عشرة ومائتين من الهجرة، وأكثر المصادر تذكر [215هـ].

نشأته العلمية ورحلاته:
أقبل على العلم في صغره، فكان أول رحلته إلى نيسابور؛ حيث سمع إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، وأبا الحسين بن منصور ومحمد بن رافع وأقرانهم، ثم خرج إلى مركز العلم والثقافة بغداد فأكثر عن قتيبة، وجال في طلب العلم وسافر، وأنفق ليله ونهاره فارتحل إلى خراسان، والحجاز، ومصر، والعراق، والبصرة، والكوفة، والجزيرة، والشام، وقزوين، وثغور.
واستفاد من أساتذة العلم وفطاحل العلماء فانعكست في شخصيته فضائلهم ومعارفهم.

أشهر شيوخه:
أخذ وسمع من كبار الأئمة أمثال أبي حاتم، وأبي زرعة، والذهلي، وابن راهويه، وقتيبة بن سعيد، والإمام أحمد بن حنبل وابنه.
والإمام البخاري وأبي داود السجستاني والترمذي. سرد الحافط الذهبي في ترجمته من «سير أعلام النبلاء (١٢٥/١٤) عددا من شيوخه فبلغ بهم (٧٠) شيخًا، وروى في سننه الصغري (٣٣٤) شيخًا، وفي غيرها عن (١١٤) شيخًا ؛ فيكون مجموع من روى عنه في «السنن الصغرى» و«الكبرى» (٤٤٨) شيخًا إضافة لما استدركه بعض المحققين.
شارك البخاري ومسلمًا في كثير من شيوخهما وظفر بالأسانيد العالية.

مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
يحتل هذا الإمام مكانة عظيمة في أوساط المحدثين، وقد خاض في معارك العلم بما يتقاعس عنه الفضلاء والأذكياء، وأثنى عليه غير واحد من الأئمة وشهدوا له بالفضل والتقدم في هذا الشأن.
قال الحافظ أبو علي النيسابوري: أخبرنا الإمام في الحديث بلا مدافعة أبوعبد الرحمن النسائي.
وقال أبو الحسن الدارقطني: أبوعبد الرحمن مقدم على كل من يذكر بهذا العلم من أهل عصره:
وقال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن شرطًا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم.
وقال الذهبي : صدق، فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم .
وقال أبو عبد الله بن منده: الذين أخرجوا الصحيح وميزوا الثابت من المعلول ، والخطأمن الصواب أربعۃ ؛البخاري، ومسلم و أبوداود، وأبو عبد الرحمن النسائي.
وقال الحافظ الذهبي: الإمام الحافظ الثبت شيخ الإسلام ناقد الحديث أبو عبد الرحمن النسائي صاحب «السنن». [السير ١٤/ـ١٢٧]

أشهر تلامذته:
نظـرًا لذيوع صيته ومكانته العلمية تتلمذ عليه الائمة منهم: ابن حبان، وابن عدي، والعقيلي صاحب «الضعفاء الكبير».
قال الحافظ الذهبي : حدث عنه أبو بشر الدولابي، وأبو جعفر الطحاوي، و أبو علي النيسابوري، وأبو بكر بن الحداد، وابنه عبد الكريم، وأبو بكر أحمد بن السني، والإمام أبو القاسم الطبراني، وابن الأحمر الأندلسي، والحسن بن رشيق، وابن حيوة النيسابوري، وخلق كثير [١٤/١٢٧].

عقيدته ومذهبه:
كان الإمام النسائي سالكا مسلك أهل الحديث عقيدة ومذهبا غير مقلد لأحد كسائر أئمة الحديث يتبين ذلك لمن تدبر في كتابه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: أما البخاري وأبوداود فإمامان في الفقه من أهل الاجتهاد… (مجموع الفتاوى ٢٢/)، وكان على مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات صفات الله تعالى كما وردت، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق.
وقد نقل عنه قاضي مصر أبو القاسم عبد الله بن أبي العوام السعدي قال ثنا النسائي … عن محمد بن أعين قال: قلت لابن المبارك إن فلانا يقول من زعم أن قوله تعالي: ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) مخلوق فهو كافر، فقال ابن المبارك : صدق قال النسائي «بهذا أقول».
ونظرة سريعة علي كتاب الإيمان وشرائعه من المجتبى توضح ذلك مثل باب «تفاضل أهل الإيمان» باب «زيادة الإيمان» وغيرها.

وقد نسب إليه شيء من التشيع لأمرين:
الأول : إنه صنف في فضائل علي في دمشق رغم كثرة المخالفين و هياج السواد الأعظم عليه مع كونه لم يكن صنف في فضائل الشيخين وعثمان رضي الله عنهم آنذاك.
الثاني: غضه لمعاوية رضي الله عنه.
حيث قيل له : ألا تخرج فضائل معاوية ؟ فقال : أي شيء أخرج ؟ حديث «اللهم لاتشبع بطنه» [أخرجه مسلم]
و ذكر ابن مندة أنه قال : ألا يرضى معاوية أن يخرج راسًا برأس حتى يفضل ؟
أما الجواب عن الأول فقد أوضحه النسائي نفسه قال: دخلت دمشق والمنحرف بها عن علي كثير ، فصنفت كتاب «الخصائص» رجوت أن يهديهم الله تعالى، ثم إنه صنف بعد ذلك «فضائل الصحابة» وقرأها على الناس. أخرج فيه أولا فضائل الشيخين وعثمان، وجعل عليا هو الرابع بل وأخرج فيه حديثين في فضائل عمرو بن العاص رضي الله عنه ۔ وهذا يؤكد نفي الشيع عنه تمامًا.
والجواب عن الأمر الثاني جواب دقيق يحتاج إلى التأمل : قال العلامة المعلمي ـ رحمه الله ـ (جرى أهل العلم والفضل) على أنهم إذا رأوا بعض الناس غلوا في بعض الأفاضل أنهم يُطلقون فيهم بعض كلمات يؤخذ فيها الغض من ذلك الفاضل، ليكف الناس عن الغلو فيه، الحامل لهم على اتباعه فيما ليس لهم أن يتبعوه فيه .. فمن ذلك ما يقع في كلام الإمام الشافعي في بعض المسائل التي يخالف فيها مالكـًا من إطلاق كلمات فيها غض عن مالك مع ما عرف عنه من تبجيل أستاذه، كما رواه عنه حرملة:
«مالك حجة الله على خلقه بعد التابعين» ومنه ماتراه في كلام مسلم في «مقدمة صحيحه» في مسألة اشتراط العلم باللقاء والمخالف هو الإمام البخاري وقد عرف من مسلم تجبيله. [التنكيل١/١٢].
فقول الإمام النسائي في معاوية يخرج هذا المخرج.
ويؤكد ذلك أن النسائي سئل عن معاوية فقال: «إنما الإسلام كدار لها باب، فباب الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابة إنما أراد الإسلام، كمن نقر الباب إنما يريد ودخول الدار، قال: فمن أراد معاوية، فإنما أراد الصحابة» [ابن عساكر في تاريخه، والمزي في تهذيبه ١/٣٣٩].
وما جاء في الحديث : «اللهم لاتشبع بطنه» أجاب عنه العلامة الذهبي فقال: لعل أن يقال هذه منقبة لمعاوية لقوله ﷺ : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته أوسببته، فاجعل ذلك له زكاة ورحمة. (مسلم ١٦/١٥٠). وقد فهم منه الإمام مسلم فصيلة لمعاوية رضي الله عنه حيث أخرج الحديث في كتاب البر والصلة والآ داب (قول الذهبي في تاريخ الإسلام حوادث ٣٠١-٣٠٢) ثم إن التشيع الذي أطلقه أهل العلم هو على من فضل عليًا على عثمان لا من فضل عليا على معاوية، والإمام النسائي لم يذكر عثمان ألبتة ! وسبق أنه ألف فضائل الصحابة وراعى فيه ترتيب الخلفاء الراشدين عند أهل السنة.

زهده وورعه:
قال الحافظ ابن الأثير في «جامع الأصول» : كا ن ورعا متحريا ألاتراه يقول في كتابه «الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع» ولايقول حدثنا وأخبرنا كما يقول عن باقي مشايخه ؛ لأنه سمع منه الأحاديث مستترا عنه ــ كما سيأتي ــ.
وقال أبو عبد الله الحاكم : سمعت أبا الحسين محمد بن المظفر يقول : سمعت مشايخنا بمصر يعترفون لأبي عبد الرحمن النسائي بالتقدم والإمامة، ويصفون من اجتهاده في العبادة بالليل والنهار، ومواظبته على الحج والاجتهاد .. كان يصوم يوما ويفطر يوما.

وفاته:
بعد حياة حافلة بالعلم والعبادة والجهاد والقيام في وجه المنحرفين، خرج النسائي من مصر في آخرعمره سنة ٣٠٢هـ، وخروجه من مصر قيل كا ن للحج، وقيل كان بسبب حسد الناس عليه لما وجدوه بلغ منصبًا عظيمًا، ونزل دمشق فسئل عن معاوية فقال ما قال، فاتهموه بالتشيع وآذوه وضربوه، وداسوه وجعلوا يطعنون في خصيتيه ودققوهما وأخرجوه من المسجد الجامع فقال : أخرجوني إلى مكة ؛ فحمل حتى توفي مقتولا شهيدًا إن شاء الله بفلسطين لثلاث عشرة خلت من صفر ٣٠٣هـ.
قاله ابن يونس، والطحاوي و ابن خير، وارتضاه الذهبي، وابن الجزري وابن نقطة في تقييده، والصفدي، والمزي، وابن خلكان، وابن يونس أخذ عن النسائي وهو أعرف به من غيره.
وقيل حمل إلى مكة فتوفي بها. وهو مدفون بين الصفا والمروة. قاله الدارقطني، وذكره الحاكم وارتضاه ابن الأثير في «جامع الأصول»، ورحجه الشيخ محمد عطاء الله الفوجياني في «التعليقات السلفية» ــ أدخله الله فسيح جناته، وجزاه عن الإسلام والمسلمين جزاء أوفى ــ.

آثاره العلمية:
كان الإمام رحمه الله من المكثرين في التصنيف ۔ له كتب كثيرة في الحديث والعلل وغير ذلك، من أهمها مايلي:
«المجتبى» وسيأتي الكلام عليه مفصلا.
1) السنن الكبرى.
2) خصائص علي.
3) عمل اليوم والليلة.
4) كتاب التفسير، وهو داخل في الكبرى.
5) الكنى.
6) الضعفاء والمتروكون.
7) مناسك الحج.
8) معجم شيوخه.
9) كتاب الطبقات.
عدد كتبه صاحب «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» فبلغ (٣٣) كتابًا ما بين جزء ورسالة ومصنف.

سنن النسائي:
اسم الكتاب: لم ينقل عن النسائي اسم لكتابه علي عادة أغلب المؤلفين في ذلك العصر يقولون : «كتاب فلان» وقد اشتهر كتاب النسائي باسم «السنن».
والسنن في عرف المحدثين: الكتاب الذي يوضع مرتباً علي الأبواب الفقهية من الإيمان والطهارة، والصلاة، والزكاة وهكذا…
وقيل له «السنن الصغري» لأن الكتاب مستقل عن «السنن الكبرى» للنسائي وسميت «بالمجتبى» لأنه اصطفاه من كتابه الكبير وخص به أمير الرملة.
وقيل «المجتنى» بالنون ــ مأخود من «جني» إذا اجتنى الثمرة واقتطفها ؛ لأن النسائي اقتطفها فن رياض «السنن الكبرى».

هل المجتبي تصنيف النسائي أم انتقاء ابن السني ؟
زعم بعض العلماء أن «المجتبى» من اختصار ابن السني كالحافظ الذهبي وابن ناصر الدين الدمشقي، وتاج الدين ابن السبكي.
ويري معظم العلماء الأعلام أن المجتبى من اختصار النسائي نفسه عن «السنن الكبرى» وهو المعروف عند الخاص والعام، وهو الحق الذي لا لبس فيه لما يأتي:
أ) إن الذهبي لم يقم دليلا على هذا الذي ادعاه لانقلا ولا استنباطًا وإن كا هو من الأعلام لكنه خولف، والوهم لايخلص منه الإنسان.
ب) وجود مثبتات علي ذلك منها مانقله ابن خير الإشبيلي بسنده عن أبي على الغساني قال «كتاب الإيمان والصلح ليسا من المصنف، إنما هما من المجتبى له في السنن المسندة لأبي عبد الرحمن اختصره من كتابهِ الكبير المصنف وأبوعلي الغسائي حافظ ثبت، قال فيه الذهبي: كا ن من جهابذة الحفاظ البصراء.. رحل الناس إليه و عولوا في النقل عليه .
ج) وجود سماعات فيها نص ظاهر علي أنه تصنيف النسائي.
د) ابن الأثير جرد المجتبى دون السنن الكبرى، وعزاه إلى النسائي من تصنيفه.
ه) إن ابن السني نفسه نص على أنه سمع المجتبى من مصنفه بمصر في أكثر من موضع منه مثلا (انظر : المطبوع ٧/١٧١) صدر كتاب الصيد والذبائج.

رواته :
رواة السنن عن النسائي كثيرون، ذكر الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» منهم عشرة وهم المشهورون بالرواية عنه، فيهم :
ابنه عبد الكريم
وابن السني ــ أبو بكر أحمد بن محمد بن اسحاق ابن السني الدينوري (٣٦٤ھ)
الحسن بن رشيق العسكري (٣٧٠ھ)
حمزة بن محمد الكناني (٣٧٥ھ)
أبو الحسن بن حيوه النيسابوري (٣٦٦ھ)
ابن الأحمر محمد بن معاوية أبوبكر الأموي القرطبي (٣٥٨ھ)
ورواة السنن الكبري ، منهم ابن الإمام الطحاوي وابن سيار وأبو علي الأسيوطي، والإمام الطبراني وغير هم.

روايته عن الحارث بن مسكين :
كان الحارث بن مسكين يتولى القضاء بمصر، وكان بينه وبين النسائي خشونة لم يمكنه حضور مجلسه ؛ فكان يستتر في موضع ويسمع حيث لايراه ، فلذلك تورع فلم يقل حدثنا وأخبرنا، وإنما قال: الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع.
وقيل: إن الحارث كا ن خائفًا بأمور تتعلق بالسلطان، فقد جاء النسائي ودخل عليه في زي أنكره. كان عليه قباء طويل وقلنسوة طويلة ؛ فكره زيه، وخاف أن يكون النسائي من بعض جواسيس السطان، فمنعه من الدخول عليه ؛ فكان يجيء ويقعد خلف الباب ويسمع ما يقرأه الناس عليه من خارج. والله أعلم.

5) قوله فى المحدث «أحمد بن صالح المصرى» مع بيان توجيهه:
كان أحمد بن صالح المصري ثقة إماما مع ذلك تكلم عليه الإمام النسائي واتهمه بالكذب ؟ والسبب في ذلك أن أحمد بن صالح المصري كان عسرًا وشديدًا في الإسماع، لايسمع أحداً حتي يأتيه برجلين يزكيان، ولا يسمع لمردان، وكان في خلقه عسر وشدة، وجاء النسائي وحضر علي اعتبار أن حلقته كبقية حلقات الشيوخ ؛ فلما جاء رفض أحمد بن صالح وطرده من حلقته ؛ فوقع هذا في نفسه، وأصبح يتكلم فيه، ولذا قال العلماء: لايسمع كلام النسائي في أحمد بن صالح المصري ــ رحمه الله ــ ثم استوطن النسائي مصر حتى توفاه الله.

منهج الإمام النسائى:
إنه لايترك حديث الراوي حتي يجمع الأئمة على تركه، ولعله يريد إجماع أئمة طبقة معينة،
يحرص كل الحرص على إخراج الحديث الصحيح في الباب إذا وجده، فإن لم يجد أخرج بعض الأحاديث الضعيفة التي يرى أن رواتها المضعفين ممن لم يجمع الأئمة على ضعفهم وترك أحاديثهم.
ربما وجد في الباب حديثا صحيحًا وأخرج معه بعض الأحاديث الضعيفة، والسبب في ذلك كون ذلك الحديث الضعيف يضمن زيادة = لم ترد في الحديث الصحيح.
أولاً يورد الأخبار المعللة، ثم الأخبار الصحيحة، ويورد الحديث من طرق متعددة، ويعقد الباب لبيان اختلاف الناقلين للحديث، كما فعل الدارقطني في «العلل».
يكرر الحديث الواحد في عدة مواضع لفوائد فقهية = يستنبطها منه، وقد زاحم في ذلك الإمام البخاري ــ رحمه الله ــ فقد خرج حديث « إنما الأعمال بالنيات » ست عشرة مرة .
أحيانًا يقتصر على موضع الشاهد من الحديث و قد يورد كلامًا من عنده يدل على فقه الحديث.
يورد في بعض الأحيان الأحاديث المتعارضة في الباب الواحد، إيذانا منه أنه يجوز هذا وذلك، كما فعل في أحاديث الجهر بالبسملة.
لا يعتني بالأحاديث العالية ؛ لكونها غير صحيحة عنده، فلا نجد شيئًا من الأحاديث الثلاثية عنده، وأعلى ما عنده رباعيات، وهكذا جمع النسائي رحمه الله بين الجودة الحديثة وبين الصناعة الحديثية، وبين فقه الحديث، فكتابه من أنفع الكتب.

منزلته بين الكتب الستة :
قد قسم الحافظ أبو الفضل بن طاهرالمقدسي أحاديث المجتبي ثلاثة أقسام:
الأول : الصحيح المخرج في الصحيحين وهو أكثر كتابه .
الثاني : صحيح علي شرطهما.
الثالث: أحاديث أبان عن علتها بما يفهمه أهل المعرفة .
وقال العلماء: كتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثاً ضعيفاً ورجلاً مجروحاً، ويقاربه كتاب أبي داود.
والأمر الذي فاق فيه النسائي هو تشدده في الرجال، وانتقاء الأحاديث (في المجتبى) ذخيرة العقبي (١/٢٥) وبيان العلل والإختلاف في الروايات، وأحاديث القسم الثالث أخرجها لأنه لم يجد غيرها في الباب أو ذكرها لزيادة فيها على الأحاديث الصحيحه كما بين ذلك رحمه الله.
ولذلك أطلق عليه اسم الصحة جماعة من العلماء منهم أبو علي النيسابوري، وابن عدي، والدار قطني، والحاكم، وابن مندة، وأبو يعلي الخليلي، وابن السكن، والسلفي، والخطيب البغدادي، والنواب صديق حسن وغيرهم. وذلك باعتبار الأغلب، لأن غالب أحاديثها صحاح أوحسان ، والضعيف منها ربما التحق بالحسن فإطلاق الصحة عليها من باب التغليب. قاله الزركشي في نكته على ابن الصلاح. وقال الدكتور فاروق حمادة: المجتبى أقل الكتب الستة بعد الصحيحين حديثًا ضعيفًا على أنه إذا جردت السنن من الأحاديث التي ضعفها مصنفها لبقيت كلها صحيحة، ولا تنزل عن درجة الصحيحين، وقد عده كثير من العلماء هذه المرتبة، وضعيف سنن النسائي العلامة الالباني خير شاهد على هذا، والله أعلم.

أهم شروحه :
ـ أقدم من شرحه أبو العباس أحمد بن أبي الوليد بن رشيد (٥٦٣ھ) ووصف شرحه بأنه حفيل للغاية ، ولكنا لانعلم عن وجود هذا الشرح شيئاً.
ـ شرحه معاصر له وهو أبو الحسن علي بن النعمة (٥٦٧ھ) وسماه «الإمعان في شرح مصنف النسائي أبي عبد الرحمن» وهو مفقود أيضًا.
ـ شرح ابن الملقن الشافعي (٨٠٤ھ) ولكنه شرح زوائده على الصحيحين وأبي داود والترمذي.
ـ «زهر الربى على المجتبى» جلال الدين السيوطي (٩١١ھ) تعليق لطيف، حل فيه بعض ألفاظه، وطبع مع المجتبى مرارًا.
ـ ولها مختصر باسم «عرف زهر الربى» لعلي ابن سليمان الدمناتي الباجمعاوي المغري (١٣.٦ھ)، طبع بالقاهرة.
ـ «حاشية السندي» لأبي الحسن محمد بن عبد الهادي السندي (١١٣٦ھ) مطبوعة مع «زهر الربى»، وهي أبسط من تعليق السيوطي في بعض المواضع.
ـ هناك مختص لبعضهم التقط فيه رباعيات النسائي.
ـ تأليف لأبي عبد الرحمن محمد بنجابي ومحمد عبد الطيف = طبع في دلهي مع شرح مجمع من السيوطي والسندي وغيرهما .
ـ «روض الربى عن ترجمة المجتبى» للشيخ وحيد الزمان، طبع في لاهور.
ـ «التعليقات السلفية» للشيخ أبي الطيب محمد عطاء الله الفوجياني، وهذه التعليقات مشتملة على حل المشكلات الحديثية وتنقيح المسائل الفقهية، وجمع فيها مؤلفها الحواشي الأربعة.
1) «زهر الربى» لجلال الدين السيوطي.
2) حاشية السندي.
3) الحواشي الجديدة للشيخين: أبي عبد الرحمن محمد الفنجالي الدهلوي، وأبي يحيى محمد بن كفاية الله الشاه جهانفوري (١٣٣٨ھ).
4) التعليق اللطيف للعلامة حسين بن محسن الأنصاري اليماني (١٣٢٧ھ).
أشرفت على طباعتها المكتبة السلفيةببلدة لاهور (باكستان).
وقدحقق «التعليقات السلفية» وخرج أحاديث النسائي: الشيخ أبو الأشبال شاغف والشيخ أحمد مجتبى السلفي {الأستاذ بالجامعة السلفية بنارس سابقًا}، وطبع في حلة جديدة قشيبة، إلا أن فيها أخطاء مطبعية كثيرة، يجب التنبه لها.
ـ «ذخيرة العقبى في شرح المجتبى» للشيخ محمد بن العلامة علي بن آدم الأيتوبي الولوي ۔ في ٢٢/ مجلدا، وكل مجلد يحتوي على جزئين، وخص مجلدين للفهارس، وهو شرح ممتع جدًا، تكلم الشارح فيه على المفردات اللغوية، وشرح الغريب، ورجال الإسناد، والأحكام الفقهية، وذكر في ذلك الأقوال والشواهد مع بيان الراجح. جزاه الله خيرا. طبع في المملكة العربية السعودية.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of