فضل صلاة الفجر

راشد حسن المباركفوري الخطب

[إننا أضفنا هذا القسم لنشر الخطب ولاسيما خطب الجمعة، وننشرها إن شاء الله بين فَينة وأخرى حول مواضيع هامة مختلفة بمناسبة ودون مناسبة، تعميمًا للفائدة وتيسيرًا للمشتغلين بمضمار الدعوة والإرشاد. ألقيتْ هذه الخطبة في مصلى «الملحقية الثقافية» بسفارة المملكة العربية السعودية، بنيو دلهي، الهند. ننشرها نظرًا لما نرى من التهاون والتكاسل والتلكُؤ والتقاعس عن الصلوات، ولاسيما صلاة الفجر عند الجيل المعاصـر، المكب على ما تتغَنى به لَيْـلَاه إلا الدين، وما تهوى نفسه إلا الشرع، وما يزقزق عصفور شهيته إلا العقيدة، والذي ظل شغله الشاغل المهليات والمغريات، ولما يترتب عليه من آثار سيئة من الآفات والمكروهات، في هذا الوقت العصيب المزلزل، والفترة الحرجة القاصفة، وبالأخص في السيناريو الهندي الراهن، أداء لبعض ما يقع على كواهلنا من مسؤوليات نحو ديننا الذي نحيا له، وعقيدتنا التي نتشبث بها، نسأل الله سبحانه وتعالى القبول. (الإدارة)].


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله،
وبعد:

إخوةَ الإسلام:
قال الله جل وعلا: إِنَّ قُرْآَنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.
وقال عليه الصلاة والسلام: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [رواه البخاري (574)، ومسلم (635)].
إنَّ الصَلاة هي الرّكن الثّاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي العبادة التي يقوم بها كلّ مُسلم؛ تقرُّبًا إلى الله تعالى، وامتثالًا لأمره، وسعيًا لنيل رضاه وجنّته ومغفرته، ولينال الخير والبركة والتوفيق، وهي الصّلة الوثيقة بين العبد وربّه، يُناجيه ويدعوه راجيًا عفوه وكرمه، فأمر الله تعالى عباده المؤمنين بإقامتها على أتمّ وجه بدون تسويف أو كسل، وذلك لما في الصلاة من خيرٍ عظيم.
الصّلوات في الإسلام كثيرة متعددة ؛ فمنها ما هو مطلوب فرضًا وبالعيان، كالصّلوات الخمس المكتوبة = الفجر، والظّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، ومنها ما هو سُنّة من السنن؛ كالسنن الرّواتب، وصلاة الضّحى، وصلاة القيام وغيرها، وعليه فلا بدّ لكل مُسلم أن يتعلّم كيفيّة أداء الصلاة ويعلم فضلها وأجرها؛ لينال رضى الله تبارك وتعالى، ورحمته، لينعم بحلاوة الإيمان في الدنيا وينعم بالجنان في الآخرة.

أيها الإخوة في الله:
إن صلاةَ الفجر بالجماعة لها فضلٌ عظيمٌ في الشريعة المطهرة، وهي التي يتكاسل عنها كثير من الناس، ويُحرَمون من عظيم أجرها وجزيل ثوابها وكثير بشائرها، تعالَوا ننظرْ ما لهذه الصلاة من أهمية وفضيلة وأجر وثواب.

أولا: يكون العبد في ذمة الله:
يكون العبد في ذمة الله تعالى ورعايته وضمانه في الدنيا والآخرة.
روى مسلم في صحيحه من حديث جندب بن عبد الله: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللهِ فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ، فَإِنَّهُ مَنْ يَطْلُبْهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيءٍ يُدْرِكْهُ، ثُمَّ يَكُبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ». [مسلم:657].

ثانيا: النور التام يوم القيامة:
روى ابن ماجة في سننه من حديث سهل بن سعد الساعدي: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ إِلَى الْمَسَاجِدِ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (أخرجه ابن ماجة، وصححه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجة» برقم (633).

ثالثًا: أجر قيام الليل:
روى مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ» [مسلم:656]

رابعًا: ضمان للنجاة من النار:
إذا صلى العبدُ الصبحَ في جماعة، تَضمَنُ النجاة من النار، روى مسلم في صحيحه من حديث عمارة بن رويبة قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا» يَعْنِي: الْفَجْرَ وَالْعَصْر. [مسلم:634].

خامسًا: سبب لدخول الجنة:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ» [البخاري:574، ومسلم:635].

سادسًا: البراءة من النفاق:
روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه ـــ أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا، وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» [بخاري:657، ومسلم:651]، وروى مسلم في صحيحه من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: «وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مْنَافِقٌ، مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يَتَهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ» [مسلم:654]، وقال ابن عمر: «كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الإنْسَانَ فِي العِشَاءِ، وَفِي الفَجْرِ، أَسَانَا بِهِ الظَّنَّ» [رواه ابن حبان:2096].
سابعًا: شهود الملائكة له:
قال تعالى: {وَقُرْآَنَ الفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، روى البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ، وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». [البخاري:555، ومسلم:632].

سادسًا: ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها:
روى مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» [مسلم:725]، فإذا كانت سنة الفجر خيرًا من الدنيا وما فيها من أموال وقصور، وأنهار، وزوجات، وغير ذلك من الشهوات والملذات، فكيف إذن بصلاة الفجر؟ !

سابعًا: النشاط وطيب العيش:
أن المحافظ على صلاة الفجر من أطيب الناس عيشًا، وأنشطهم بدنًا، وأنعمهم قلبًا، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَاسِ أَحَدِكُم إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيْلٌ فَارْقُدْ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيْطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيْثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ» [البخاري:1142، ومسلم:776].

ثامنًا: رؤية:
رؤية الله عز وجل وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتسابق إليها المتسابقون، روى البخاري ومسلم من حديث جرير البجلي – رضي الله عنه – قال: «كُنَّا عِندَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَنَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيلَةً – يَعنِي البَدرَ – فَقَالَ: إِنَّكُم سَتَرَوْنَ رَبَّكُم، كَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُوْنَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُم أَلاَّ تُغْلَبُوْا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوْعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوْبِهَا فَافْعَلُوْا، ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الغُرُوبِ}» [البخاري:554، ومسلم:633].

إخوتنا في الله:
كم من صلوات نتركها ونتهاون فيها، نقضي أوقاتنا نائمين متكاسين، ولاسيما عند البردين، منغمسين في أمور الدنيا التي هي أصبحت همنا، ولانخاف الله وبطشه يوم الآخرة، فالله الله أيها الإخوة، أما سمعنا قول رسولنا عليه الصلاة والتسليم فيمن يتهاونون في الفجر: ما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلّيَ بِالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ، إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ» [البخاري:657، ومسلم:651].
قال بعض أهل العلم: «إن النبي – صلى الله عليه وسلم – ما همَّ بذلك إلا أن هؤلاء المتخلفين عن صلاة الجماعة قد ارتكبوا ذنبًا عظيمًا، وجرمًا كبيرًا». وفي صحيح البخاري قصة رؤيا النبي – صلى الله عليه وسلم – الطويل، وجاء فيه: أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – رَأَى رَجُلاً يُثْلَغُ رَاسُهُ بِالحَجَرِ، فَسَأَلَ عَنهُ، فَقِيلَ لَهُ: «إِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي يَاخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ، وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوْبَةِ». [البخاري:7047].
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا الحفاظ على الصلوات كلها، ولاسيما صلاة الفجر مع سنتها.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of