تتفشى فيروسات كورونا (Corona Virus) بسرعة مذهلة في العالم كله ، وتخترق حدود الدول والبلدان ، وارتفعت حصيلة وفياتها في أكثر من سبعين دولة ، واستولى على أذهان الناس الخوف والذعر ، وتغلب فيهم اليأس والقنوط ، وقد جر ذلك إلى تعطل في مجال الأعمال والنشاطات ، وقد فرضت بعض الحكومات حالة طوارئ في داخل نظامها ، حتى إن حكومة خادم الحرمين الشريفين قد علقت مؤقتاً رحلات العمرة والزيارة من خارج البلاد تفادياً من هذه الفيروسات التاجية الخطيرة ، لأن العمرة تشهد تجمعاً كبيراً من شتى الجنسيات والأعراق ، ولعل عدم الاحتياط والوقاية يسبب خطراً كبيراً لكثير من الزائرين ، وقد قيل : الوقاية خير من العلاج .
اكتشف هذا المرض من مدينة ووهان ( Wuhan ) في الصين ، في 31/ شهر ديسمبر 2019م ، وبلغ أحدث الإحصائيات إلى تسجيل أكثر من مأة ألف من المصابين به ، ويتكون هذا المرض من زكام ، والتهاب رئوي ووجع في الحلقوم وحمى ، وغير ذلك ، ليس هذا المرض أول مرة نجم على وجه الأرض ، بل أفزع العالم من قبل عشرات من الأمراض ، ونشرت جريدة الشرق الأوسط في 8/ جمادى الآخرة 1441هـ ، المصادف 2/ فبراير 2020م أن هناك 7/ أوبئة أفزعت العالم السنوات الأخيرة ، وهي سارس ، وحمى الضنك ، والملاريا ، وانفلونزا الطيور ، وانفلونزا الخنازير وإيبولا وزيكا . وقد توقفت رحلات الحج خلال أربعة عشر قرناً لأسباب سياسية وأمراض طبيعية وأحوال طارئة أكثر من 40/ مرة ، حسب بعض التقارير الصادرة من الجهات العلمية .
العطايا بقدر البلايا:
الأمراض والأوبئة التي يتضرر بها الانسان إما تكون نتيجةً لعدم مراعاة أصول الصحة وعدم مبالاة بالاحتياطات الوقائية، وقد جعل الله تعالى الجسم الإنساني يتأثر بالطقوس والفصول السنوية، فتارةً تؤثر فيه البرودة ، وتارةً تؤثر فيه الحرارة ، وأحياناً يتحمل المشاق، وأخرى ينفعل بالتعب والنصب، فلا يتخلى منه إنسان من أي قطر كان، أو من أي دولة كان ، وكل مرض أو أذى يصاب به الإنسان يرفع درجته عند الله تعالى أو يحط سيئته بشرط أن يكون مؤمناً بالله، شاكراً لأنعمه، ولا يقدره الإنسان في الدنيا، لكنه حينما ينال جزاءه في الآخرة، فيقول على ما لم يصبر عليه في الدنيا، ويقول: يا ليت جلوده لو قُطعت بمقراض تقطيعاً ، كما ورد في سنن الترمذي عن جابر رضي الله عنه ، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب ، لو أن أحدهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض (رقم الحديث : 2402)، وقد قيل : العطايا بقدر البلايا.
وإما تكون جراء مثلات وعقوبات عند الله تعالى ، وذلك حينما يتوغل الإنسان في المعاصي والمنكرات ، ويجهر بها على رؤوس الأشهاد ، ولا يستحيي من الله حق الحياء ، ولا تؤثر فيه المواعيظ والإنذارات ، والتنبيهات تلو التنبيهات ، فتارةً في الدنيا بالعذاب الأدنى كما كان في قصة فرعون وقومه ، ابتلاه الله بأنواع من النقم ما ظهر منها وما بطن ، قال تعالى : وَلَقَدْ أَخَذْنَآ آلَ فِرْعَونَ بِٱلسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن ٱلثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ، وقال : فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ ( الأعراف : 130 ، 133 ) . هذا في الدنيا ، ويعذب في الآخرة كما قال تعالى : يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ ٱلنَّارَ وَبِئْسَ ٱلْوِرْدُ ٱلْمَوْرُودُ . وَأُتْبِعُواْ فِى هَـٰذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ بِئْسَ ٱلرِّفْدُ ٱلْمَرْفُودُ ( هود : 98 – 99 ) .
نظرات متباينة عن فيروسات كورونا:
قال الإخصائيون : فيروسات كرونا معناها الجراثيم التاجية أي أقوى الجراثيم التي لا تميتها قوة رادعة ، نشأ هذا المرض من الحيوانات أمثال الكلاب والقطط والخنازير والفئران والخفافيش ، يأكل لحوم هذه الحيوانات الصينيون ، فتنتقل الفيروسات من اللحوم ، ومن ثم تنتقل إلى الإنسان ، يتعدى من بعضهم إلى بعض . ولا يوجد عند الصينين أي استحياء في هذا الشأن ، وقال بعضهم : هذا المرض الذي تفاقم في الصين كان نتيجةً للظلم والاضطهاد الذي أذاقت الصين المسلمين الإيغورريين ، وهم يعانون منذ زمن هذه المظالم ، وقد أشار إلى هذا الجانب بعض المسلمين الإيغوريين أن سكان العالم إذا قاطعوا منتوجات الصين لأسبوع كامل انخفضت نسبة تصديرها إلى حد كبير ، وقال رئيس الصين قبل أسبوع من تفشي هذا المرض : لن يوقف تطورات الصين أي قوة في الدنيا ، وستكسب في وقت قريب مكانة سيادة العالم . لعل هذا الادعاء كان مبعث إثارة غيرة الله تعالى وغضبه ، فسلط على الصين فيروسات كورونا وبالتالي على العالم أجمع . وقال آخرون : كانت الصين تصنع أسلحةً مبيدةً وآليات فتاكة من فيروسات مختلفة ، فانتقلت هذه الفيروسات من سوء استعمالها إلى مدينة ووهان . فسببت خطراً فادحاً للعالم . ونشرت إذاعة بي بي سي : فيروسات كورونا مؤامرة خطيرة لأمريكا ضد الصين ، لئلا تكون كفؤاً لها في الصناعات والإنتاجات للسيطرة على العالم . ( والله أعلم )
ما أنزل الله داء إلا جعل له شفاء :
الصحة والمرض من الله تعالى ، وهو الفاعل الحقيقي فيهما ، لكن هذه الدنيا تعتبر دار الأسباب ، فالإنسان مكلف لاستعمال الأدوية والعلاجات التي أدركها الإنسان بعد تجارب واسعة ، لكن الشفاء من الله تعالى ، وليس في الدنيا مرض إلا ويوجد له شفاء عاجل أو آجل من الله تعالى وحده ، إلا الشيخوخة والموت ، فإنه لا مفر منهما لأي ذي روح من الإنس والجان والحيوان ، وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما أنزل الله داء إلا جعل له شفاء ( رواه البخاري ، كتاب الطب ) ، دل هذا الحديث على أن تعلم أصول طب الأبدان من واجبات الدين ، كما يتعلم الإنسان طب القلوب وعلاجه ، وقد علم أن العلم علمان : علم الأديان وعلم الأبدان ، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بغاية من الإيجاز والإعجاز : كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ ( الأعراف : 31 ) . وقد أشار العلماء المفسرون إلى أمور في ضوء هذه الآية : (1) تدبير الغذاء بأن لا يأكل حتى تصدق الشهوة ، وينهضم الطعام السابق انهضاماً (2) يتحرى الأنفع من الأغذية ، وذلك حسب الأقطار والأشخاص والأحوال (3) ولا يمتلئ من الطعام امتلاء يضره مزاولته ، أضف إلى ذلك طيب الهواء ، ونظافة البدن والثياب ، والبعد عن الروائح الخبيثة ، والرياضة المتوسطة . ( شبكة الألوكة )
ففروا إلى الله :
فالأوضاع العالمية التي يجتازها الناس على شتى المستويات ، تبعث الإنسانية جمعاء على الرجوع إلى الله والإنابة إليه ، فهو الملجأ والمآب في كل دقيق وجليل ، وكاشف الكربات ، ولعل انفلات حبل الله المتين من أيدينا أو اتكالنا على الأسباب والمادية وصل بنا إلى هذه المحن الشداد ، والمصايب الجسام ، وقد أخبرنا القرآن الكريم بأن نسيان الله يسبب نسيان الأنفس ، فينتحرها الإنسان ويُلقيها في المهالك ، قال الله تعالى : ( وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ نَسُواْ ٱللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ ) ( الحشر : 19 ) ، يقول الإمام الندوي رحمه الله تعالى :
” رسالة القرآن إلى الإنسانية هي أن نسيان النفس نتيجة نسيان الله تعالى ، فيمكن علاجه في معرفة الله تعالى والتوجه إليه ، فالحاجة إلى الفرار إلى الله بدلاً من الفرار منه ، والأنس به لا الوحشة منه ، والإيمان بتعاليمه لا الرفض لها ، والإطاعة والانقياد له لا الثورة عليه . ( فَفِرُّوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ إِنِّى لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) ( الذاريات : 50 ) ” . ( الإفادات القرآنية للعلامة الندوي : 56 )
Leave a Reply