إن من البيان لسحرا

عزير أحمد نور الهدي السلفي السير و التراجم

إن من سعادتي وحسن حظي أن أكتب سطورا تحكي قصة شيقة لأحد النوابغ الأعلام في الديار الهندية وهو العلامة، مولانا أبوالكلام آزاد، العالم العبقري، المفسر، الخطيب المصقع، والقائد العظيم ، أعجوبة دهره. حياته حافلة بالأمجاد والمفاخر، والتضحيات لصالح المسلمين، هوالذي وطد كيان المسلمين في الهند بعد الانقسام، كان وجوده حمى منيعا وحصنا رفيعا لهم، وبقاءه ظلا ممدودا يستظلون به، ولما مات رحمه الله تعالى، قال رئيس الوزراء الأول لجمهورية الهند جواهر لعل نهرو: مات آخر المسلمين في الهند، ضمخ الله ترابه بطيوب الجنة، وتغمده برحمته وأسكنه فسيح جناته، آمين.
كان من غاياته المنشودة ومخططاته الهادفة أن يؤلف بين قلوب المسلمين ويلأم صدعهم ويرتق فتقهم، ويجمعهم على أمير واحد، وسار لتحقيق ذلك سيرا حثيثا، واستفرغ وسعه فيه وحشد له جميع قواه لكن الأسف أن عددا كبيرا من المسلمين ناصبوه العداء، وخيبوا آماله فعقدوا مؤتمرا في مدينة بريلي بولاية أترا براديش – مسقط رأس أحمد رضا البريلوي، مؤسس فرقة البريلوية – وانتخب رحمه الله تعالى رئيسا لهذا المؤتمر فلم تطب برئاسته نفوس أتباع أحمد رضا البريلوي وثارت ثائرتهم، شعر بذلك بعض أولي الألباب فوفدوا على الشيخ وأخبروه بحقيقة الحال وطلبوا منه أن لا يحضر المؤتمر، فقال لهم ما قال، فانصرفوا راضين.
يقول الشيخ عبد الرزاق مليح آبادي ، ملازم العلامة أبي الكلام آزاد ورفيق دربه يسرد هذه القصة : لما حضر ذلك اليوم وحان وقت المؤتمر ارتدى «شيرواني» – عباء خاص يرتديه الأكارم من العلماء والساسة – ولبس طاقيته الخاصة التي يغطي بها أثر السجود على جبينه، وأخذ بعصاه، ثم اتجه إلى المؤتمر. لما وافاه دُهش بشبان متسلحين بالسيوف والرماح والسكاكين والعصي كانوا يتحينون الفرص أو يلتمسون العذر للهجوم عليه، فياله من رباطة جأشه وصلابة عزيمته وقوة إرادته، جلس متمكنا غيرخائف ولا مذعور، يقول الشيخ عبد الرزاق : ولِما شاهدته من مخاوف كنفته من خلفه بجسدي حتى لا يصيبه شيء على غرة منه فغضب وقال : إن قضى الله لي أمرا فهل تحول بيني وبين قضائه؟ لا تخف، حسبي الله. ثم قام من الحضور على المنصة خطيب، جهوري الصوت، طلق اللسان وصرخ بمخالفة العلامة أبي الكلام آزاد وطرح فكرته جانبا ووصفها بأنها فكرة نابتة غير ناضجة، يقول الشيخ عبد الرزاق: خطب فلم يبق شيئا ولم يذر وأقنع الجميع بما يراه هو وكأنه لم تبق بعد خطبته حاجة إلى كلام آخر وما انتهى من كلامه إلا نهض العلامة وخطب خطبة كانت من أروع خطب في حياته، أطلق لسانه الساحر يعمل عمله في القلوب، ولفظ كلماته تعمل عملها في النفوس فما كانت إلا دموع تنهمر، ونشيج يحشرج في الصدور ونحيب يتصاعد وهتافات بحياته، كلمات رحبت الصدور ، واستعبرت العيون
وملكت الأفئدة وسخرت المهج، ورققت الأحاسيس وبثت روح الأخوة الدينية الإيمانية ، ألفاظ هدأت الدم وسكنت الغضب، بطلت التهم، وانجلت الشبه، كانت سحابة صيف تقشعت. ولما فرغ من خطبته قام ابن أحمد رضا البريلوي ووافقه على رؤوس الأشهاد ووعده بنصره وتائيده، والآن جاء المقام الذي كتبت توطئة له هذه الأسطر. أما حنت نفوسكم واشتاقت قلوبكم إلى معرفته، إخوتي ! هو أن الذين كانوا يتحينون الفرص لقتله ويشهرون بسيوفهم ورماحهم ، ألقوها ولما نزل رحمه الله تعالى من المنصة تهافتوا عليه يصافحونه ويعانقونه ويقبلونه حتى كاد أن يسقط، فقد صدق النبي صلى الله عليه وسلم : إنّ من البيان لسحرا.

Leave a Reply

avatar
3000
  Subscribe  
Notify of