الوجه الآخر

ياسر اسعد الإنتاج الأدبي النثري

رغم أنه صديقي الحميم، فإني أتحفظ منه لأمور، لا أود الإفصاح عنها الآن. مع ذلك أحاول قدر مستطاعي أن لا أبوح بموقفي له، لأنه يؤثر على صلتي به، ولا أريد ذلك، فإني معدوم الأعوان حتى في بلدي.
لقد صادقته عندما سافرت إلى بلاده، وبينما كنت أجول شوارع بلاده في البحث عن مطعم يقدم طعام بلدتنا إذ جاء عندي بسيارته، ربما لفت نظره الثوب السعودي والشماغ، فإني لا أتخلى عن ثقافتي في السفر والحضر.
«سلام» ناداني محييا.
«وعليكم السلام ورحمة الله» رددت تحيته بأحسن منها.
وقف برهة، كأنه يفكر هل أُلِمُّ بالإنجليزية أم لا.
«…سعودي، أليس كذلك؟»
«بلى، وإني أبحث عن مطعم يوفر طعاما عربيا» .
أظهرَ ابتسامه، وفتح باب سيارته، ووصلنا إلى المطعم، تعشينا معًا، ثم أوصلنى إلى فندقي. شكرته على صنيعه، ودعوته في غرفتي، ومضى الليل في المسامرة، كان هذا اللقاء نواة الصداقة بيننا.
طبعا كان رجلا صافي القلب، نقي الروح، عارفا مفهوم الصداقة، ووفيا لها، إلا أنه كان شديدَ الكره لوطني، كلما خضنا في الحديث عن دولنا انتهى الحديث عند بداية الصراع.
«إن دولتكم تفعل كذا وكذا»
«دولتك لا تستحق تولية الحرمين الشريفين، فهي لا تحسن القيام بأمورها»
«عندكم انتهاكات شديدة في حقوق الإنسان، كما شفت البارحة في "الجزيرة”…»
«أنتم لا تحترمون المرأة»
أورد كل ما سمع من الإعلام في بلده. وفهمتُ أنه ليس في وضع أن أحاور معه، تركت الحديث لوقت لاحق، فلم أرد إلا قلت:
«مهلا مهلا يا صديقي، لا أرد عليك الآن، لأنني أدري أنك لا تصدقني، يكفيك أن تزور السعودية مرة، ها أنا أدعوك لزيارة بلدي».
مكثت معه هناك خمسة عشر يوما، ثم انتهت فترة إجازتي وودعته بعيون ذارفة، فإنه رغم كرهه لوطني، إنسان جميل، وكان وحيدا عرفته واستحسنت المكوث في صداقته….وهكذا افترقنا.
مر شهر وكنت على اتصال مستمر معه، وكررت دعوته للزيارة حتى قبل، والآن هو معي في الرياض، أذهب به إلى المناطق السياحية، ونتجول في شوارع المملكة، … وقد حان موعد عودته، اليوم الثلاثاء، وبعد يومين سيغادرني، لقد حاولت كثيرًا أن يمد تاريخ العودة، ولكنه لم يرض بذلك.
يقال إن النية إذا كانت صادقة تؤثر في القدر، كنا نسمع أخبارا عن انتشار الوباء في الدولة، ثم تفاجأنا بما حصل فيما بعد … إن الرحلات كلها أوقفت من الدولة، وأغلقت المطارات، فاضطر المكوث في الرياض، أحضر لديه كل يوم تقريبًا حتى لا يمل من إغلاق البلد، ولكن اليوم فوجئت بسؤاله، مد إلي يد الطلب، لأن زاده قد انتهى ..
«ماذا أفعل؟ لا يعجبني أن أسألك مالا، ولكن الحقيقة أنني الآن معدوم، وزرت سفارتي مرات، ولكنهم رفضوني، والآن اضطررت لأن أستقرضك» قال وهو نادم.
ابتسمت لحاله، وفهمت أنه آن الأوان أن أريه ما الإنسانية. طلبت منه جوازه وأرسلته إلى الجهة المعنية، لم تلبث الجهة إلا ردت بتوجهه إلى الفندق الفلاني ذي خمسة نجوم، وبموجب جواز سفره إقامته مجانية، وشاملة للوجبات مع غسيل الملابس.
«كل هذا … » لم يتمكن أن يكمل كلامه، سالت الدموع على خده، مسحها بسرعة، والتصق بي معانقا. «إنكم والله عظماء … والله … والله لقد كنت في خدعة …».
بعد شهر كامل، وقد ارتحلت الجائحة واستأنفت الخطوط الجوية رحلاتها، عند باب المطار، وكنت أودعه، توجه إلي قائلا: «يا أخي، كيف أستطيع الحصول على الجنسية السعودية ؟ …».

1
Leave a Reply

avatar
3000
1 Comment threads
0 Thread replies
0 Followers
 
Most reacted comment
Hottest comment thread
1 Comment authors
عبد العزيز بن محمد يوسف السلفي Recent comment authors
  Subscribe  
newest oldest most voted
Notify of
عبد العزيز بن محمد يوسف السلفي
Guest
عبد العزيز بن محمد يوسف السلفي
ما شاء الله….. الجملة الأخيرة في غاية الروعة والجمال: "كيف أحصل على الجنسية السعودية” … ههههههه