أخذ الإنسان الدنيا في القرن الحادي والعشرين في قبضته، وجعل العالم كقرية صغيرة حيث أصبح الناس بجوار بعضهم ببعض، وقدّم مخترعات مدهشة واكتشافات مذهلة وابتكارات هائلة، رصد أشعة الشمس والقمر، ووصل إلى الفضاء وتسلل في بطون الأرض، وصعد على قمة الجبال، ثم التفت إلى أن يجعل حياته سهلة دمثة، ويومياته سوية، فوجد أن يتسلط على نبض الوقت ويتصرف فيه كيفما يشاء، فهذه القطارات السريعة والطائرات العاجلة والحافلات والسيارت المتنوعة، ثم الهواتف المحمولة، والإلكترونيات العجيبة كلها ليست إلا أن تُوجِد في حياة الإنسان يسرا، ويحفظ ما يضيعه من الوقت.
فكان الإنسان يظن أنه قادر على هذا العالم بعد ما اكتشف هذه الأشياء، وأنه الرب الأعلى لهذا الكون، وأن ليس فوقه أحد، إذ ذكّره ربه بفيروس صغير غير مرئي، فاكْتُشِف هذا الفيروس بدولة، ثم انتشر بسرعة فائقة حتى حوى العالم كله، ولم يفرق بين بلاد غنية أو فقيرة، وألقى يده المهلكة على جسدها، ثم سرى في روحها، وجعلها عقيمة، كأنها لن تلد أبدا، وحاول الإنسان أن يفر من هذا الوباء ﴿ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ فلم يجد ملجأ آمنا ولا مأوى مطمئنا ولا حصنا حصينا، ثم توجه إلى مخترعاته ومبتكراته التي كان يفتخر بها بالأمس، وظن أنها ستعصمه من هذا البلاء الوبيئة، فآلاته المخترعة وأدويته الشافية وجميع إسعافاته المتقدمة لم تنفعه ولم تشف مرضه ولم ترفع البلاء، فقرر أن يمكث في بيته ولم يخرج منه ولا يخالط أحدا. فهذا هو الدواء الوحيد.
أفتدري أيها القارئ ما هذا ؟ هذا نهاية عجز الإنسان ومدى محاولاته وانتهاء علمه وذكائه، فالإنسان الذي كان يدعي على رصد الهواء والمطر، بل كان يحاول أن يطلع إلى الملأ الأعلى ويخترق هذا الستر الذي بينه وبين خالقه، فظن أنه وصل إلى منزله وفاز في سعيه، لكنه إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه، ونودي ﴿لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار﴾.
Leave a Reply